كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: لما دخلوا عليه كلَّموه بالعبرانية، فأمر الترجمان فكلَّمهم ليشبِّه عليهم، فقال للترجمان: قل لهم: أنتم عيون، بعثكم ملككم لتنظروا إِلى أهل مصر فتخبرونه فيأتينا بالجنود، فقالوا: لا، ولكنا قوم لنا أب شيخ كبير، وكنا اثني عشر، فهلك منا واحد في الغنم، وقد خلّفنا عند أبينا أخًا له من أمه، فقال: إِن كنتم صادقين، فخلِّفوا عندي بعضكم رهنا، وائتوني بأخيكم، فحبس عنده شمعون.
واختلفوا بماذا عرفهم يوسف على قولين.
أحدهما: أنه عرفهم برؤيتهم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه ما عرفهم حتى تعرَّفوا إِليه، قاله الحسن.
قوله تعالى: {وهم له منكرون} قال مقاتل: لا يعرفونه.
وفي علَّة كونهم لم يعرفوه قولان:
أحدهما: أنهم جاؤوه مقدِّرين أنه ملك كافر، فلم يتأملوا منه ما يزول به عنهم الشك.
والثاني: أنهم عاينوا من زِيِّه وحليته ما كان سببًا لإِنكارهم.
وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه كان لا بسًا ثياب حرير، وفي عنقه طوق من ذهب.
فإن قيل: كيف يخفى من قد أُعطي نصف الحسن، وكيف يشتبه بغيره؟
فالجواب: أنهم فارقوه طفلًا ورأوه كبيرًا، والأحوال تتغير، وما توهموا أنه ينال هذه المرتبة.
وقال ابن قتيبة: معنى كونه أُعطي نصف الحسن، أن الله جعل للحسن غاية وحدًّا، وجعله لمن شاء من خَلقه، إِما للملائكة، أو للحور، فجعل ليوسف نصف ذلك الحسن، فكأنه كان حُسنًا مقاربًا لتلك الوجوه الحسنة، وليس كما يزعم الناس من أنه أُعطي هذا الحسن، وأُعطي الناس كلُّهم نصف الحسن.
قوله تعالى: {ولما جهَّزَهم بِجَهَازِهم} يقال: جهَّزت القوم تجهيزًا: إِذا هيأت لهم ما يصلحهم، وجهاز البيت: متاعه.
قال المفسرون: حمل لكل رجل منهم بعيرًا، وقال: {ألا ترون أني أوفي الكيل} أي: أُتمه ولا أَبْخَسُه،: {وأنا خير المنزِلين} يعني: المضِيفين، وذلك أنه أحسنَ ضيافتهم.
ثم أوعدهم على ترك الإِتيان بأخيهم، فقال: {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي} وفيه قولان:
أحدهما: أنه يعني به: فيما بعد، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنه منعهم الكيل في الحال، قاله وهب بن منبه.
قوله تعالى: {قالوا سنراود عنه أباه} أي: نطلبه منه، والمراودة: الاجتهاد في الطلب.
وفي قوله: {وإِنا لفاعلون} ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: وإِنا لجاؤوك به.
وضامنون لك المجيء به، هذا مذهب الكلبي.
والثاني: أنه توكيد، قاله الزجاج، فعلى هذا، يكون الفعل الذي ضمِنوه عائدًا إِلى المراودة، فيصح معنى التوكيد.
والثالث: وإِنما لمديمون المطالبة به لأبينا، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه، وهذا غير المراودة، ذكره ابن الأنباري.
فإن قيل: كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه، وهو يعلم مافي ذلك من إِدخال الحزن على أبيه؟ فعنه خمسة أجوبة:
أحدها: أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه، وهذا الأظهر.
والثاني: أنه طلبه لا ليحبسه، فلما عرفه قال: لا أفارقك يا يوسف، قال: لا يمكنني حبسك إِلا أن أنسبك إِلى أمر فظيع، قال: أفعل ما بدا لك، قاله كعب.
والثالث: أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف.
والرابع: ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه.
والخامس: ليعجِّل سرور أخيه باجتماعه به قبل إِخوته.
وكل هذه الأجوبة مدخوله، إِلا الأول، فانه الصحيح.
ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه، قال: لما جمع الله بين يوسف ويعقوب، قال له يعقوب: بيني وبينك هذه المسافة القريبة، ولم تكتب إِليَّ تعرِّفني؟! فقال: إِن جبريل أمرني أن لا أعرِّفك، فقال له: سل جبريل، فسأله، فقال: إِن الله أمرني بذلك، فقال: سل ربك، فسأله، فقال: قل ليعقوب: خفتَ عليه الذئب، ولم تُؤَمنِّي؟
قوله تعالى: {وقال لفتيته} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: {لفتيته} وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {لفتيانه} قال أبو علي: الفتية جمع فتى في العدد القليل، والفتيان في الكثير.
والمعنى: قال لغلمانه: {اجعلوا بضاعتهم} وهي التي اشترَوا بها الطعام: {في رحالهم}، والرحل: كل شيء يُعَدُّ للرحيل.
{لعلهم يعرفونها} أي: ليعرفوها: {إِذا انقلبوا} أي: رجعوا: {إِلى أهلهم لعلهم يرجعون} أي: لكي يرجعوا.
وفي مقصوده بذلك خمسة أقوال:
أحدها: أنه تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورِق ما يرجعون به مرة أخرى، فجعل دراهمهم في رحالهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه أراد أنهم إِذا عرفوها، لم يستحلُّوا إِمساكها حتى يردُّوها، قاله الضحاك.
والثالث: أنه استقبح أخذ الثمن من والده وإِخوته مع حاجتهم إِليه، فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده تكرمًا وتفضلًا، ذكره ابن جرير الطبري، وأبو سليمان الدمشقي.
والرابع: ليعلموا أنّ طلبه لعَوْدهم لم يكن طمعًا في أموالهم، ذكره الماوردي.
والخامس: أنه أراهم كرمه وبِرَّه ليكون أدعى إِلى عَوْدهم.
قوله تعالى: {فلما رجعوا إِلى أبيهم} قال المفسرون: لما عادوا إِلى يعقوب، قالوا: يا أبانا، قَدِمنا على خير رجل، أنزلنا، وأكرمنا كرامة، لو كان رجلًا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته.
وفي قوله: {مُنع منا الكيل} قولان قد تقدما في قوله: {فلا كيل لكم عندي} [يوسف 61].
فإن قلنا: إِنه لم يكل لهم، فلفظ {مُنع} بَيِّن.
وإِن قلنا: إِنه خوّفهم منع الكيل، ففي المعنى قولان:
أحدهما: حُكم علينا بمنع الكيل بعد هذا الوقت، كما تقول للرجل: دخلت والله النار بما فعلت.
والثاني: أن المعنى: يا أبانا يُمنع منا الكيل إِن لم ترسله معنا، فناب {مُنع} عن يُمنع كقوله: {يَحْسَبُ أنَّ ماله أخلده} [الهمزة 3] أي: يخلده، وقولِه: {ونادى أصحابُ النار} [الأعراف 50]،: {وإِذ قال الله يا عيسى} [المائدة 116] أي: وإِذ يقول، ذكرهما ابن الأنباري.
قوله تعالى: {فأرسل معنا أخانا نكتَل} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {نكتل} بالنون.
وقرأ حمزة، والكسائي: {يكتل} بالياء.
والمعنى: إِن أرسلته معنا اكتلنا، وإِلا فقد مُنعنا الكيل.
قوله تعالى: {هل آمنكم عليه} أي: لا آمنكم إِلا كأمني على يوسف، يريد أنه لم ينفعه ذلك الأمن إِذ خانوه.
{فالله خير حفظًا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {حفظًا}، والمعنى: خير حفظًا من حفظكم.
وقرأ حمزة والكسائي، وحفص عن عاصم: {خير حافظًا} بألف.
قال أبو علي: ونصبُه على التمييز دون الحال.
قوله تعالى: {ولما فتحوا متاعهم} يعني أوعية الطعام: {وجدوا بضاعتهم} التي حملوها ثمنًا للطعام: {رُدَّت} قال الزجاج: الأصل رُدِدَتْ، فأدغمت الدال الأولى في الثانية، وبقيت الراء مضمومة.
ومن قرأ بكسر الراء جعل كسرتها منقولة من الدال، كما فُعل ذلك في: قيل، وبيع، ليدل على أن أصل الدال الكسر.
قوله تعالى: {ما نبغي} في {ما} قولان:
أحدهما: أنها استفهام، المعنى: أي شيء نبغي وقد رُدَّت بضاعتنا إِلينا.
والثاني: أنها نافية، المعنى: ما نبغي شيئًا، أي: لسنا نطلب منك دراهم نرجع بها إِليه، بل تكفينا هذه في الرجوع إِليه، وأرادوا بذلك تطييب قلبه ليأذن لهم بالعَود.
وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، والجحدري، وأبو حيوة {ما تبغي} بالتاء، على الخطاب ليعقوب.
قوله تعالى: {ونمير أهلنا} أي: نجلب لهم الطعام.
قال ابن قتيبة: يقال: مار أهله يميرهم مَيْرًا، وهو مائر لأهله: إِذا حمل إِليهم أقواتهم من غير بلده.
قوله تعالى: {ونحفظ أخانا} فيه قولان:
أحدهما: نحفظ أخانا بنيامين الذي ترسله معنا، قاله الأكثرون.
والثاني: ونحفظ أخانا شمعون الذي أخذه رهينة عنده، قاله الضحاك عن ابن عباس.
قوله تعالى: {ونزداد كيل بعير} أي: وِقْر بعير، يعنون بذلك نصيب أخيهم، لأن يوسف كان لا يعطي الواحد أكثر من حِمل بعير.
قوله تعالى: {ذلك كيل يسير} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ذلك كيل سريع، لا حبس فيه، يعنون: إِذا جاء معنا، عجَّل الملك لنا الكيل، قاله مقاتل.
والثاني: ذلك كيل سهل على الذي نمضي إِليه، قاله الزجاج.
والثالث: ذلك الذي جئناك به كيل يسير لا يُقنعُنا، قاله الماوردي.
قوله تعالى: {حتى تؤتون موثقًا من الله} أي: تعطوني عهدًا أثق به، والمعنى: حتى تحلفوا لي بالله: {لتأتُنَّني به} أي: لتَرُدُّنَّه إِلي.
قال ابن الأنباري: وهذه اللام جواب لمضمَر، تلخيصه: وتقولوا: والله لتأتُنّني به.
قوله تعالى: {إِلا أن يحاط بكم} فيه قولان:
أحدهما: أن يهلك جميعكم، قاله مجاهد.
والثاني: أن يُحال بينكم وبينه فلا تقدرون على الإِتيان به، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {فلما آتَوْه موثقهم} أي: أعطَوْه العهد وفيه قولان:
أحدهما: أنهم حلفوا له بحق محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته من ربه، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنهم حلفوا بالله تعالى، قاله السدي.
قوله تعالى: {قال الله على ما نقول وكيل} فيه قولان:
أحدهما: أنه الشهيد.
والثاني: كفيل بالوفاء، رُويا عن ابن عباس.
قوله تعالى: {لا تدخلوا من باب واحد} قال المفسرون: لما تجهزوا للرحيل، قال لهم يعقوب: {لا تدخلوا} يعني مصر {من باب واحد}.
وفي المراد بهذا الباب قولان:
أحدهما: أنه أراد بابًا من أبواب مصر، وكان لمصر أربعة أبواب، قاله الجمهور.
والثاني: أنه أراد الطرق لا الأبواب، قاله السدي، وروى نحوه أبو صالح عن ابن عباس.
وفي ما أراد بذلك ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه خاف عليهم العين، وكانوا أُولي جمال وقوة، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: أنه خاف أن يُغتَالوا لِما ظهر لهم في أرض مصر من التهمة، قاله وهب بن منبه.
والثالث: أنه أحب أن يلقَوا يوسف في خَلوة، قاله إِبراهيم النخعي.
قوله تعالى: {وما أُغني عنكم من الله من شيء} أي: لن أدفع عنكم شيئًا قضاه الله، فإنه إِن شاء أهلككم متفرقين، ومصداقه في الآية التي بعدها: {ما كان يغني عنهم من الله من شيء إِلا حاجةً في نفس يعقوب قضاها} وهي إِرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم.
قال الزجاج: {إِلا حاجة} استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكنْ حاجةٌ في نفس يعقوب قضاها.
قال ابن عباس: {قضاها} أي: أبداها وتكلم بها.
قوله تعالى: {وإِنه لذو عِلْم لما علَّمناه} فيه سبعة أقوال:
أحدها: إِنه حافظ لما علَّمناه، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: وإِنه لذو علم أن دخلوهم من أبواب متفرقة لا يغني عنهم من الله شيئًا، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: وإِنه لعامل بما عُلِّم، قاله قتادة.
وقال ابن الأنباري: سمي العمل علمًا، لأنه العلم أول أسباب العمل.
والرابع: وإِنه لمتيقن لوعدنا، قاله الضحاك.
والخامس: وإِنه لحافظ لوصيِّتنا، قاله ابن السائب.
والسادس: وإِنه لعالم بما علَّمناه أنه لا يصيب بنيه إِلا ما قضاه الله، قاله مقاتل.
والسابع: وإِنه لذو علم لتعليمنا إِياه، قاله الفراء.
قوله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف} يعني إِخوته: {آوى إِليه أخاه} يعني بنيامين.
وكان أخاه لأبيه وأمه، قاله قتادة، وضمه إِليه وأنزله معه، قال ابن قتيبة: يقال آويتُ فلانًا إِليَّ.
بمد الألف: إِذا ضممتَه إِليك، وأويت إِلى بني فلان، بقصر الألف: إِذا لجأت إِليهم.
وفي قوله: {قال إِني أنا أخوك} قولان:
أحدهما: أنهم لما دخلوا عليه حبسهم بالباب، وأدخل أخاه، فقال له: ما اسمك؟ فقال: بنيامين، قال: فما اسم أمك؟ قال: راحيل بنت لاوَي، فوثب إِليه فاعتنقه، فقال: {إِني أنا أخوك}، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وكذلك قال ابن إِسحاق: أخبره أنه يوسف.
والثاني: أنه لم يعترف له بذلك، وإِنما قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، قاله وهب بن منبه.
وقيل: إِنه أجلسهم كل اثنين على مائدة، فبقي بنيامين وحيدًا يبكي، وقال: لو كان أخي حيًا لأجلسني معه، فضمَّه يوسف إِليه، وقال: إِني أرى هذا وحيدًا، فأجسله معه على مائدته.
فلما جاء الليل، نام كل اثنين على منام، فبقي وحيدًا، فقال يوسف: هذا ينام معي.
فلما خلا به، قال هل لك أخ من أمك؟ قال كان لي أخ من أمي فهلك، فقال: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال: أيها الملك، ومن يجد أخًا مثلك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف، وقام إِليه فاعتنقه، وقال: {إِني أنا أخوك} يوسف: {فلا تبتئس} قال قتادة: لا تأس ولا تحزن، وقال الزجاج: لا تحزن ولا تستكِنْ.
قال ابن الأنباري: {تبتئس}: تفتعل، من البؤس، وهو الضُرُّ والشدة، أي: لا يلحقنَّك بؤس بالذي فعلوا.